الرباط –ذ. لحسن بنساسي (خبير في الشؤون البرلمانية):”صدى البرلمان”//- كثر الحديث وتعددت الآراء وتنوعت الاجتهادات بخصوص الآلية الانجع لمراقبة العمل الحكومي فيمايتعلق بملف الدعم المخصص لاستيراد الأبقار والاغنام الذي يدخل في إطار الإجراءات المرحلية التي اتخذتها الحكومة من أجل تقليص أسعار الاضحية واللحوم الحمراء امام قلة اعداد القطيع في ظل وضعية مطبوعة بتوالي سنوات الجفاف ومخلفاتها وانعكاساتها السلبية على تربية المواشي؛ بعدما لجأت فرق المعارضة النيابية الى اعتماد إحدى الآليات المتعلقة بالمراقبة البرلمانية، والمتمثلة في اللجنة النيابية لتقصي الحقائق ؛ بينما ارتات فرق الاغلبية النيابية اعتماد آلية المهمة الاستطلاعية للوقوف على البرامج والإجراءات المتخذة لدعم استيراد الأبقار والاغنام واللحوم ، من اجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين، ومدى تحقيقها للأهداف المحددة لها .
علينا ان نسجل بإيجابية هذا الجدل القائم ،باعتباره ظاهرة صحية لاغناء نقاش عمومي حول موضوع استاثر باهتمام الرأي العام الوطني وشغل بال المغاربة، بما حمله من آراء وافكار وردود فعل متباينة، ولكنها تصب كلها في تحقيق مصلحة الوطن والتجاوب مع انشغالات المغاربة وانتظاراتهم من حيث تحصين المال العام وحمايته من أي استغلال للوصول إلى مصالح شخصية والإثراء غير المشروع ،وضمان التدبير الجيد والمحكم للسياسات العمومية والقطاعية والشان العام بشكل كامل،في إطار الاحترام التام لمبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة،باعتبارها احدى المرتكزات التي يقوم عليها النظام الدستوري المغربي.
غير أن هذا النقاش العمومي الواسع ببعده السياسي-القانوني كان من المفروض والاولى والاجدى ان ينصب على أهمية المراقبة البرلمانية ،باعتبارها احدى المهام الموكولة للسلطة التشريعية لمراقبة العمل الحكومي، والآليات الأكثر نجاعة وفعالية بالنسبة للملف موضوع المراقبة ، من منظور النتائج المراد الحصول عليها والحقائق المطلوب استخلاصها والاشكاليات المطروحة التي تقتضي الإجابةعنها وتنويرالرأي العام بشانها، بعيدا عن اي لغة من شأنها إصدار أحكام مسبقة لا مبرر لها ولا تستند على اسس صحيحة ،والدخول في تاويلات خاطئة و مزايدات مغلوطة حول طبيعة المبادرات ونية مقدميها، مادامت جميع الفرق النيابية، معارضة واغلبية ،تستهدف، من خلال المبادرة التي تقدم كل واحد منهما ،الوصول إلى الحقيقة، رغم اختلاف الآلية التي تم اختيارها لهذه المراقبة حسب قناعة كل واحد منهما، مادامت هذه الآلية ليست غاية في حد ذاتها بقدر ماهي مجرد وسيلة للإجابة على الاشكاليات والتساؤلات التي يطرحها موضوع المراقبة البرلمانية، والاطلاع على المعطيات والبيانات المطلوب الوصول إليها، في أفق الوصول إلى حقيقة ما اذا كانت جميع البرامج والإجراءات المتخذة المتعلقة بهذا الدعم قد حققت الأهداف المتوخاة منها، واثارها الإيجابية على الفئات المستهدفة.
في هذا الاطار، وايمانا منه بضرورة الإسراع بالقيام بدراسة عميقة لهذا الموضوع، وفتح نقاش مثمر وحوار بناء بخصوص مختلف الجوانب والابعاد المرتبطة به ،انطلاقا من المهام الدستورية الموكولة إليه المتعلقة بالمراقبة البرلمانية، ومن موقعه في الحكومة ، فقد حرص الفريق النيابي الاستقلالي للوحدة والتعادلية، بمعية فرق الاغلبية النيابية ،على تقديم طلب للجنة القطاعات الإنتاجية من أجل القيام بمهمة استطلاعية محددة الأهداف،محددة الاشكاليات المطروحة المطلوب الإجابة عنها؛ محددة اللقاء ات مع القطاعات الحكومية المعنية بالموضوع.
وهذا يعني، انه ليس هناك فرق كبير،من حيث طبيعة المهام الموكولة إليهما ،والنتائج المطلوب التوصل اليها،بين اللجنة النيابية لتقصي الحقائق المنصوص عليها في الدستور منذ 1992،وألمنظمة بموجب قانون تنظيمي مكمل للوثيقة الدستورية، وبين المهمة الاستطلاعية التي تقوم بها اللجان البرلمانية الدائمة في اطار دورها الرقابي، الى جانب دورها التشريعي، طبقا للنظام الداخلي لمجلس النواب باعتباره مكملا ايصا للوثيقة الدستورية،مع العلم ان اللجان البرلمان الدائمة منصوص عليها في الدستور كذلك، لتصبح بذلك المهام الاستطلاعية آلية مهمة من حيث فعاليتها ونجاعتها كالية لمراقبة العمل الحكومي، كما يدل على ذلك عدد المهام الاستطلاعية التي تم القيام بها ،ونوعية التقارير الصاردة عنها، والتي تكون موضوع مناقشة على مستوى اللجن النيابية المعنية، وكذا الجلسات العامة ،بينما لم يتم احداث اي لجنة نيابة لتقصي الحقائق منذ 2008 حول موضوع مخيم اكديميزيك،نظرا لما يحتاجه تشكيلها من مشاورات واسعة للوصول إلى توافق بين مختلف مكونات المجلس، كما جرى به العمل منذ اول لجنة نيابة لتقصي الحقائق في1989 حول الباكالوريا ،بدون ان يكون منصوصا عليها في الدستور.
وفي هذا السياق، لابد من التذكير، مادامت الذكرى تنفع المؤمنين، بأن حزب الاستقلال لم ولا ولن يحتاج إلى دروس، من اي كان، في الوطنية ونيته الصادقة في جميع اعماله ومبادراته، كما يشهد علي ذلك تاريخه النضالي الطويل،ومواقفه السياسية القوية الملتزمة،سواء من موقعه في الحكومة او المعارضة، مادام يومن إيمانا راسخا بالعروة الوثقى، مادام متشبثا بثوابت الامةالجامعة، مادام متمسكا بهويته ومرجعياته ومبادئه وتوجهاته واختياراته المنبثقة من المجتمع وقيمه الراسخة، ليظل بذلك حزب ضمير الأمة،حزب النقد الذاتي، حزب: من أين لك هذا؟؛ حزب كان ولازال وسيظل فريقه النيابي واجهته النضالية والمعبر الصادق عن الهوية الاستقلالية بالمؤسسة التشريعية، والملتزم ببلورة هذه المرجعيات والتوجهات والاختيارات في عمله النيابي، والدفاع عن المصالح العليا للوطن وانتظارات المواطنين وتطلعاتهم وانشغالاتهم ،بعيداعن اي حسابات سياسية مبيتة،اوخدمة اجندات معينة ؛ منذ ميلاده كفريق استقلالي للوحدة والمشروعية ،وفي موقع المعارضة، في أول تجربة نيابة عرفها المغرب المستقل في 1963 برئاسة زعيم الوحدة الأستاذ عبد الخالق الطريس.