رأي : أطفال في قبضة الشاشة!

sadaalbarlaman14 يوليو 2025آخر تحديث :
رأي : أطفال في قبضة الشاشة!

بقلم نعيمة لحروري*:”صدى البرلمان”//- «من شب على شيء شاب عليه»، حكمة عربية قديمة، لكنها اليوم أصدق ما تكون حين ننظر إلى حال أطفالنا وهم يفتحون أعينهم على ضوء الشاشات، بدل دفء العيون.

صار مشهدا معتادا أن ترى رضيعا لا يتجاوز عمره بضعة أشهر مسجّى في عربته، محدقا في تلفاز لا يرحم عينيه ولا عقله الطري. وكأن التلفاز صار أمه الثانية، يسكّن صراخه ويؤنس وحدته، لكن أي أنس هذا الذي ينزع عنه إنسانيته، قبل أن يكتمل تكوينه؟

ومع بلوغه عامه الأول أو الثاني، يسلم الطفل جهازا ذكيا، هاتفا أو لوحا إلكترونيا، يصبح به أسيرا، قبل أن يتعلم نطق أولى كلماته. فيلهو بأصوات وألوان تسرق انتباهه، وتعبث بشخصيته، وتزرع فيه بذور العزلة والانطواء. ثم نتساءل بعد ذلك ببراءة: لماذا زادت حالات التوحد؟ ولماذا بات الطفل يهرب من التفاعل الحقيقي إلى عوالم افتراضية؟ أو ليست «الوقاية خير من العلاج»؟

إن إدمان الشاشات في سنوات الطفولة الأولى كارثة صامتة، لا تسمع لها صوتا، لكنها تقضم تطور الطفل قطعة قطعة. فمن ذا الذي يعلمه اللغة، إذا لم يسمع حديثا بشريا حميما؟ ومن ذا الذي ينمي فيه مهارات الحركة، إذا كان يكتفي بلمس الشاشة بأصابع مرتعشة؟

كثيرون يختبئون خلف شماعة الانشغال وضيق الوقت: «نعطيه الهاتف لننجز أعمالنا»، لكن الحقيقة أن من لم يجد وقتا لطفله، لا ينبغي أن ينجب في عصر صار فيه الهاتف سلاحا ذا حدين، يقرب البعيد ويفرق القريب، يعلّم ويشوّه في آن واحد. أقولها بصدق لكل الأزواج: إن كنتم غير مستعدين لبذل جهد

وتضحية من أجل تربية أبنائكم، فلا داعي لأن تأتوا بهم في هذا الزمن، فتربية طفل اليوم أصعب بكثير من الأمس، وأقل هامشا للخطأ. ففي السابق، كان محيط الطفل محدودا، بيت وحي ومدرسة، واليوم صار العالم كله بين يديه بضغطة زر.

ما أخطر أن ينشأ جيل يربيه «اليوتيوب» و«التيك توك»، ويتعلم من أفواه الغرباء على الشاشات، بدل قصص الجدات وأحاديث العائلة. طفل اليوم يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى من يزرع فيه القيم، ويهديه طرق التواصل الإنساني الحقيقي. يحتاج حضنا وقصة قبل النوم، يحتاج لعبة خشبية أو ورقية يحرك بها خياله، لا مقاطع فيديو تهشم قدرته على التركيز.

وقديما قالوا: «التربية قبل التعليم»، واليوم صرنا في زمن ننسى فيه التربية، لأننا ننشغل بإسكات الأطفال بشاشة أو لعبة إلكترونية. كم من الآباء يفرحون حين ينشغل صغيرهم بالهاتف لساعات دون إزعاج، غير مدركين أن تلك الساعات هي التي تسرق من الطفل طاقته العاطفية، وتقطع حبل الود الطبيعي بينه وبين العالم.

لكننا، مع كل هذا الألم، نحتاج إلى أن ننتبه قبل أن يصبح أطفالنا مجرد كائنات تائهة في بحر من التكنولوجيا. نحتاج أن نعيد إليهم طفولتهم الضائعة، وأن نزرع فيهم القيم والمشاعر التي فقدناها في عصر أصبح فيه كل شيء معلقا على لمسة إصبع. «التربية مسؤولية لا يليق فيها التنازل»، بل يجب أن تكون أولوية لكل منا، مهما كانت التحديات..

أيها الآباء والأمهات، تذكروا: «ابنك على ما ربّيته»، فإن ربيتموه في حضنكم وبين كلماتكم، خرج للحياة قويا متوازنا، وإن ربيتموه في حضن الشاشات، فلا تلوموه إن صار غريبا عنكم وعن مجتمعه. أعيدوا لأطفالكم طفولتهم، وأبعدوا عنهم شاشات تسرق براءتهم قبل أوانها. فالتربية مسؤولية لا يليق فيها التنازل، ولا ينفع فيها التأجيل.

نعيمة لحروري*:صحافية وكاتبة رأي في صحيفة “الأخبار” المغربية .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة