الرباط /متابعة:”صدى البرلمان”//-أكدت زينب العدوي، الرئيس الأولى للمجلس الأعلى للحسابات، ضرورة تعزيز التقييم المؤسسي للسياسات العمومية كرافعة لتحسين الحكامة والتنمية المستدامة في إفريقيا، داعية إلى توسيع نطاق التقييم من مجرد متابعة التنفيذ إلى قياس أثر السياسات التنموية.
وقالت العدوي، اليوم الجمعة خلال الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة السنوية العاشرة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية المنظمة بالعيون، إن من محددات مستقبل هذه الأجندات ومستقبل الأمم، ولا سيما قارتنا الإفريقية العزيزة، تعزيز الثقة في حكامة المؤسسات، وسداد اختيار سياسات عمومية تنموية شمولية وعادلة ودامجة وفعالة ومحدثة للأثر الإيجابي المستدام على حياة المواطنين، مشددة على أنها مسؤولية مشتركة يتطلب النهوض بها إسهام كل الفاعلين في مسارات الرقابة والتقييم بشكل منسق ومتكامل ومتجانس.
وترى المتحدثة أن مما يتوجب التركيز عليه، بالإضافة لتعزيز وظائف التقييم المرتبطة بالمساءلة وتيسير التعلم والنضج المؤسسين لدى الفاعلين التنمويين، العمل على تحقق الشروط القبلية اللازمة لممارسة تقييمية فاعلة، مضيفة “ليست كل السياسات العمومية قابلة للتقييم وليست كل التقييمات قابلة للنشر”.
أما فيما يتعلق بالمجالات الكبرى للتقييم التي تفرض نفسها في السياقات الإفريقية، أكدت العدوي أن من بين ما ينبغي أن يحظى بالاهتمام “الاستشرافات المالية وتقييم استدامة القدرة على تحمل الدين”، مبينة أن مؤشرات مستوى وخدمة الدين ومؤشرات مخاطر السيولة والملاءة طويلة الأجل ومؤشرات المخاطر السوقية والهيكلية تظل مرتفعة في قارتنا”.
وتابعت في سياق حديثها عما ينبغي التركيز عليه، “الإشكاليات التنموية المرتبطة بالبيئة، خصوصا إجراءات محاربة آثار التغير المناخي والتكيف معها، والشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص في ميادين التغير المناخي والانتقال الطاقي، إضافة إلى التوازن بين النفقات والإيرادات لتحسين قدرة القطاع العام على خلق الموارد بشكل مستدام وزيادة تعبئة الإيرادات المحلية المتوفرة والبحث عن موارد جديدة ومبتكرة، وتحرير إمكانات المالية الخضراء والاقتصاد الأزرق والاقتصاد الرقمي.
وذكّرت بأن مجال تعاون المجلس الأعلى للحسابات مع السلطة التشريعية عرف تطورا ملموسا، سيما بعد إقرار دستور المملكة لسنة 2011 الذي جعل من مبدأ التعاون بين السلط أحد مرتكزات النظام الدستوري ببلادنا. وقد شكل في هذا الصدد تعديل القانون المنظم للمجلس الأعلى للحسابات خلال سنة ،2016نقلة نوعية في تقوية علاقات التعاون بين المجلس والبرلمان، وفي تحديد نطاق هذا التعاون وضبطه حيث أصبح مجال التعاون أكثر اتساعا وتنوعا وجسوره ممتدة طوال السنة ولم تعد تكتس ي طابعا مناسباتيا كما كانت عليه في السابق.
وكشفت أن مجلسها، توصل منذ سنة 2013 بما مجموعه 14 طلب استشارة وأسئلة، قدم بشأنها أجوبة، تتعلق بمواضيع ومجالات متعددة مثل منظومة المقاصة، ومنظومة التقاعد، وصندوق دعم التماسك الاجتماعي، وصندوق التجهيز الجماعي، وصندوق التنمية القروية، وبرامج تشغيل الشباب، والتعليم في العالم القروي، والاستراتيجية الوطنية لمحاربة الأمية، وبرنامج “انطلاقة”، وبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالعالم القروي، والخطة العمومية للمساواة والمناصفة “إكرام”.
وأكدت أن المجلس الأعلى للحسابات حرص بشكل مستمر خلال تلك المهام على إرساء آليات تعاون فعالة من أجل ضمان تكامل الأدوار الرقابية للمؤسستين وعلى صون مكانتهما الاعتبارية والحفاظ على رصيد مكتسباتهما من المصداقية والموضوعية والثقة والكفاءة المهنية وذلك عبر تعزيز القدرة على إنجاز المهام وتوفير الكفاءات والخبرة المتطلبة لإنجازها بشكل مطابق للمعايير والممارسات الفضلى الجاري بها العمل ولأصول المهنة ولمقاييس الجودة الجاري بها العمل بالمؤسسة، وإعادة النظر في استراتيجية إعداد التقارير وضمان تيسير مقروئيتها من منطلق تمكين جميع الفاعلين منها كرافعة لتجويد الحكامة والشفافية والمساءلة، زيادة على الوقوف على مسافة متساوية بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالحياد والموضوعية والمهنية والاستقلالية.
وأشارت إلى تتعدد آليات تعامل المجلس مع البرلمان لتشمل تقديم نتائج الأشغال الرقابية في إطار التقرير السنوي، الذي ينشر بالجريدة الرسمية، وتقديم الرئيس الأول عرضا عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان، وتقرير تنفيذ قانون المالية والتصريح العام بالمطابقة المتعلق بقانون التصفية.
وسجلت أن المجلس استفاد من تطور أطر تصميم وتنفيذ وتقييم السياسات التنموية خلال العقدين الأخيرين، والتي كان لها فضل إخراج سؤال التنمية من الإيديولوجيا والإشكاليات النظرية إلى المناحي الحكماتية والعملية لمساراتها مع انتقال المؤسسات الرقابية من قياس تقدم التنفيذ والأداء إلى تقييم أثر أجندات تنموية بأهداف وغايات واضحة المعالم.
ونبهت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إلى أن أهم الخلاصات المتواترة في تقارير الأجهزة الدولية ارتباط نجاح السياسات التنموية بثلاث محددات طرحت مبكرا سؤال النأي عن تدخل التقييم في القرار السياسي والملاءمة بالإضافة لإشكاليات منهجية وعملية في مسار المراقبة والتقييم.
وهذه المحددات، التي أولتها منظمة “الانتوساي” والأجهزة العليا للرقابة أهمية خاصة وكانت موضوع أدلة عملية مهنية، تتعلقبتناسق والتقائية السياسات والبرامج الوطنية والجهوية مع أهداف وثائق التخطيط الوطني طويل الأمد، إضافة إلى تقييم احترام مبدأ عدم ترك أحد خلف الركب ثم مستوى مشاركة الأطراف ذات العلاقة/المصلحة في صياغة السياسات وتنفيذها وتقييمها.
وبعدما أكدت أن إنتاج البيانات الضخمة وسلاسل الكتل سيحل مشكل توفر وجودة البيانات، التي طالما شكلت إكراها لمهنيي التقييم، وأن الذكاء الاصطناعي سييسر الولوج لأدوات النمذجة التحليلية التي ستتيح بناء نماذج تقييم أكثر تعقيدا، شددت العدوي على أننا “سنحتاج إعادة تعريف العلاقة بين التقييم والتنمية، بين التقنية والأهداف المؤسسة، وبين الكفاءة والاستدامة”، مشيرة إلى أن التقييم في عصر التحول الرقمي، كيف ما كانت وظيفته ومصلحته وطبيعته، مطالب بالجمع بين دقة الأداء والمهنية ورصانة القيمة، وأن يمارس في إطار أخلاقي منضبط وفي إطار من الموثوقية والمساءلة.
وأوضحت أن الرفع من المهنية وتطوير كفاءات وقدرات المستقبل لتقييم أهداف التنمية ضروري لخلق القيمة وتجويد مسارات اتخاذ القرار العمومي، مبرزة أن متطلبات جودة هذا التقييم تقتضي من المؤسسات وممارسي التقييم، على حد سواء، العمل على اكتساب الكفاءات الحيوية لأي مؤسسة رقابية.














